اسرائيل ووباء الكوفيد : بين المؤامرة والرفض العالمي ... وقفة للتدبر - التقارب نيوز اسرائيل ووباء الكوفيد : بين المؤامرة والرفض العالمي ... وقفة للتدبر
اسرائيل ووباء الكوفيد : بين المؤامرة والرفض العالمي … وقفة للتدبر

بقلم د. هبة جمال الدين

مدرس العلوم السياسية- معهد التخطيط القومي

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

انتشرت مؤخرا العديد من الشائعات التي أخذت عدة أشكال ما بين فيديوهات مترجمة من الإنجليزية والعبرية والفرنسية والألمانية، والأخبار بالإنجليزية، والتقارير المصورة بالإنجليزية أيضا هذا بخلاف الآراء المنتشرة انتشار النار بالهشيم، جميعها توجه اتهامات بتآمر إسرائيل في نشر وباء الكوفيد والبعض يتهمها بالتآمر بشأن المصل أو اللقاح للقضاء على أكبر عدد ممكن من سكان العالم، وكذا التحكم فيهم عبر شرائح ذكية تنتشر جزئياتها خلال المصل. كالكلام الذي نسب على لسان العالم الياباني تاسوكو هونجو الحائز على جائزة نوبل في العلوم عام 2018 وجاء به اتهام صريح لإسرائيل بتخليق الوباء منذ عام، ثم تم نفيه بعد ذلك مع العلم أن هذه الإشاعة صحت او كذبت لم تكن بالعربية أي أنها ليست صنيعة العرب.

ما يعنيني بالأساس ليس صحة الإشاعات من كذبها، وإنما دلاله ظهورها ولصقها بإسرائيل وانتشارها بين الرأي العام العالمي.

  • مصدر الشائعات: لم تكن هذه الفيديوهات أو الأخبار باللغة العربية وإنما بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية … كذلك منها المترجم عن العبرية، أي أنها ليست بيد العرب والمسلمين. ودلالة ذلك خطيرة فتشويه صورة إسرائيل لم يتم بأيادي عربية أو مسلمة معادية للسامية أي أن التشويه جاء غربيا فانتشار معاداة السامية في أوروبا وأمريكا واسيا يا سادة.

فهل المقصود إخافة العالم من الكيان الصغير الغير مرئي على الخريطة للادعاء بالنفوذ والهيمنة والقدرة على قلب الموازين لصالحه خاصة أن منها المترجم من العبرية. أم أن التشويه جاء ليعكس رفضا كبيرا لكيان ملتصق اسمه بالمؤامرات والمكائد وجرائم القتل والتعذيب وسفك الدماء فتم انتهاز وجود الوباء لتأخذ إسرائيل حظها من الرفض والاستهجان. أم أنها صحيحة وتكون هنا الكارثة ولكني لن أدخل في هذه الجزئية وسأعتبرها نظريا أو ظاهريا غير صحيحة حتي يثبت العكس علميا وسأتحدث عن الدلالات فقط.

  • انتشار الشائعات: انتشرت الفيديوهات والأخبار انتشار النار في الهشيم بمختلف دول العالم وتم ترجمتها بشكل كبير والأغرب تصديق الرأي العام العالمي لها والمؤشر تداولها عبر قنوات مختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي وترجمتها إلى عدة لغات.

هنا قد ينظر الإسرائيليون بأنها ميزة للانتشار وبسط النفوذ، ولكنها نظرة قاصرة لأن انتشارها وتصديق الكثيرون لها يؤكد أن الصورة السيئة الملتصقة بالكيان الصهيوني منذ نشأته على يد عصابات من الهاجانة عصابات إرهابية تعشق سفك الدماء مازالت قائمة وأن العالم لم يستطع تغير نظرته لها فهي ليست كما يروج لها المنتفعين بدولة العلم والمعرفة والتسامح وإنما هي دولة المؤامرات والمكائد وسفك الدماء.

بمعنى آخر انتشار الشائعات وتصديقها بسهولة يؤكد استمرار الصورة الذهنية السلبية المرفوضة والملتصقة بالكيان الصهيوني. بل وينفي أية تقارير ومحاولات تدعي بنجاح القوة الناعمة الإسرائيلية عالميا. والأكثر من ذلك أن الانتشار لم يكن من داخل العالم العربي والإسلامي، مما يؤكد أن موجة الرفض عالمية لديها أصداء كبيرة ومصادر منتشرة مازالت ترفض وتصدق أن التآمر هو الصفة الأولى لهذا الكيان. فرغم نجاح إسرائيل في تبرأة الفاتيكان لها من  دم المسيح، لكن العالم مازال ينظر إليها والدم يلطخ سمعتها. فلم تنفعها الفتوى ولن تنفعها الادعاءات.

قد يرى البعض أني متحاملة أو أعظم مما يقال، هنا سأطرح سؤال ربما أننا جميعا كأفراد، بل ودول ككل تعرضنا لشائعات، ولكن تصديقها يتوقف على السلوك والنهج والصورة الذهنية والملتصقة بالشخص أو الدولة. هنا علينا السؤال لماذا صدق الكثيرون هذه الشائعات أو على الأقل تداولوها؟ لماذا تم ترجمتها بالكثير من اللغات ألا يعكس ذلك رفضا عالميا لكيان يدعي بأنه قلعة الديموقراطية وبوابة حقوق الأنسان والتسامح ومنبر العلم والمعرفة في محيط جاهل مظلم، هل الصورة التي يمكن ترجمتها هو أن العالم مازال ينظر إليكم كمدعين متآمرين؟!!

إن القبول والتسامح والأخوة والسلام الإبراهيمي يحتاج لصورة ذهنية مختلفة ليقبل الجميع بوجود الكيان الصهيوني الذي يصر على منع المصلين بالمسجد الأقصى في شهر رمضان الكريم، ويعتقل الأطفال، ويشرد الشيوخ والأطفال والنساء بالقدس من أجل تهويدها. ومع بطولة أهلنا المقدسين كأهل قرية باب العمود، جاءت الفرحة العربية والتضامن العربي والإسلامي الشعبوي على الأقل؛ داعين الله بنصرة أهلنا في فلسطين الحبيبة.

استمرار آلة القتل والتعذيب تؤكد فشل كل الجهود الناعمة التي تتبعها إسرائيل وتدعمها ربيبتها الولايات المتحدة والحكومات الغربية لدعم قبول إسرائيل والترويج لها بأنها الحليف الغربي المتقدم والمتسامح الديموقراطي في منطقة مظلمة كما يدعون. والدليل تصديق الكثيرون للشائعات التي دارت حول تورط إسرائيل في وباء الكوفيد.

هنا علينا الوقوف والتدبر عبر طرح تساؤل أساسي “هل نجحت إسرائيل إذا في المنطقة والعالم ككل؟ هل استطاع العنصر اليهودي غير المنتج أن يتحول لعنصر منتج ومفيد بنقله من أوروبا إلى فلسطين الحبيبة؟ هل حققت إسرائيل ما أعلنته من خطط ومخططات لبقائها ومستقبلها في المنطقة ككل؟ هل استطاعت القضاء على الفلسطينيين بالرغم من استمرار آلة القتل والتعذيب لما يزيد عن سبعين عاما؟ هل حقا إسرائيل العدو الذي لا يقهر كما كانت تروج قبيل حرب 73؟” في الواقع تساؤلات كثيرة يمكن طرحها في هذا المضمار، وربما يمكنني الإجابة عن أبرزها في عدة نقاط سريعة:

  • نجحت إسرائيل في بناء قوى داخلية كترسانة الأسلحة والبرنامج النووي المدعوم من القوى العظمي والكبرى. ولكنها فشلت في بناء منظومة مكتملة من الردع والدليل الصاروخ الأخير قبيل مفاعل ديمونة الذي هز منظومة القبة الحديدية وعرش القوى العسكرية والممانعة الإسرائيلية، وضرب خرافة القوة التي لا تقهر.

  • حاولت إسرائيل بناء برامج تعاونية في ضوء القوى الناعمة خارجيا مع العديد من دول العالم المتقدم والنامي ولكنها فشلت في كسب حب واحترام الشعوب التي صدقت ما تم ترويجه من شائعات حول الدور الإسرائيلي وعلاقته بالكوفيد. مما يعكس مدى النجاح الظاهري المزعوم للكيان الصهيوني.

  • وضعت إسرائيل خطط كثيرة لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم مستخدمة كل السبل من قتل وتعذيب ومنع ولكن الشعب الفلسطيني المناضل يثبت أنها لم تنجح في شيء فأحداث باب العامود التي قام بها شباب لا تتجاوز أعمارهم العقد الثاني لتؤكد أمام العالم أن الحق الفلسطيني متوارث ولم ولن يموت ولا يمكن قهره حتى في ظل الدبابات وترسانة الأسلحة والمنع. فستبقي فلسطين حرة أبية.

  • بدأت إسرائيل في الترويج للأخوة والتسامح وحاولت ارتداء ثوب الأخوة باقتران السلام بالإبراهيمي، محاولة الوصول للشعوب والتطبيع الشعبي ولكن أحداث باب العمود جاءت لتعكس فرحة عارمة بين الشعوب العربية والإسلامية وارتفع الدعاء خلال الشهر الكريم بحماية الأقصى وتوفيق المناضلين

  • حاولت بالتواطؤ مع بعض الخونة شراء منازل المقدسين للتسريع بالقضاء على القدس واكتمال مخطط التهويد ولكن الشرفاء قاموا بفضح المخطط ونشر الوثائق

لم تنج إسرائيل ولم يقبلها العالم الغربي قبل العربي والإسلامي. وستستمر صورة الدهاء والتآمر لصيقة بها طالما لم تغير من سياساتها الدموية وتقبل بالتعايش السلمي بالمنطقة عبر ترسم حدودها وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67، وتنسحب من الجولان ومزارع شبعا.

فعلى صانعوا القرار الإسرائيلي الذين يراهنون دائما على يمنية المزاج بالشارع الإسرائيلي أن يراجعوا انفسهم، لأن بقاء إسرائيل والعيش في سلام لا يكفله مسلسل كأم هارون، ولا اتفاقية تطبيع إبراهيمي، وإنما سياسات يبني عليها مستقبل مغاير يكفل العيش بسلام وأخوة حقيقية. فلتتركوا المؤامرات وآلة القتل وسفك الدماء إذا أردتم السلام حقا.

 


2 ردود

  • يقول ليث:

    دائمًا متألقة وكتاباتك هادفة ومنطقية دكتورة هبة

  • يقول عمر:

    هذا كيان الى زوال طال الزمان ام قصر، وثبت على الارض انه لا يمكن الوصول الى سلام مع كيان اقيم على الارهاب والاستيطان والاحلال، كما انه لا يمكن القضاء على الشعب الفلسطيني فضلا عن ارادته في انتزاع حقوقه مهما كان الثمن. السلام والتعايش مع اليهود ليست فكرة شعبية، واليهود لم يغادروا عقلية التسلط والارهاب والقتل…لا فض فوك د. هبة

  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    بحث




    الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

    سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


    © 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy