محمد سعد يكتب: من يكتب تاريخ مصر المعاصر - التقارب نيوز
محمد سعد يكتب: من يكتب تاريخ مصر المعاصر

أنا أرى أنه لابد من الكتابة الدقيقة والسليمة لتاريخ مصر المعاصر كتابة التاريخ مهمة ثقافية وأكاديمية والأهم أنها مهمة وطنية ومهمة جدًا للإرشاد في المستقبل القادة الجدد، السياسين الجدد، والمشرعين الجدد يجدو فيها ما يجد الكميائي في المعمل لأن التاريخ هو معمل السياسي لا يكفي الإعلام ولا تكفي البرامج ولا تكفي الصحافة في ذلك لا بد من الكتب والمذكرات المادة الأساسية فيما بعد لمسلسلات أو أفلام أو وثائقيات أو لباحثين أو مؤرخين أو لأجيال جديدة من القراء أو من يتعلمون التاريخ في التعليم المدرسي لأن الكتابة التاريخية الحديثة هي التجلي الأعلى لمقولة النسبية التى تحكم العصر لأنها تتحدى بطبيعتها نفسها المسلمات العقائدية أو السياسية أو الفكرية أو القائمة على العادات والتقاليد وهي تحول كل ما هو مطلق إلى نسبي بما فى ذلك الفكر الفلسفي وهي تحول كل ما يبدو مقدسًا كل ما يطرح كمبدأ أعلى إلى شئ دنيوي مفهوم أو قابل للفهم بوضعه ضمن سياقات مؤثرات وقوى وتمهيدات ونتائج متعارضة أو مختلفة لذلك تبقى الكتابة التاريخية في العصر الحديث وفي عصر معرفة التغير وتبقى النزاعات الفكرية حولها بقدر أهميتها ومحوريتها فيجب أن تكون صحيحة لأن قارئ التاريخ يرغب في أن يرى عصره في ضوء عصر آخر وفي ضوء واقع قديم مختلف كإمكانية من ضمن ممكنات الحياة مقابل تجارب عصور وشعوب أخرى اتبعت مسارات ومبادئ مختلفة كثيرًا أو قليلًا لكنها ليست غريبة أو غير مفهومة ثقافيًا لأن التاريخ الحديث يواجه القارئ بنسبية عصره يواجهه بالاختلاف بعبارة أخرى لا يسقط المؤرخ لغته ومناهجه على الماضي فحسب بل يسقط لغة الماضي واهتماماته ومعارفه وطبيعته التى تميزه الحاضر أن محاولة ضبط رواية الماضي والتحقق منها من ناحية وإيجاد منطق داخلي لترابط الأحداث التاريخية إما فى مجملها في فلسفة التاريخ وإما فى جوهرها أقسام محددة من الماضي ومن زوايا معينة مثل الدراسات التاريخية التي يكتبها المؤرخون من ناحية أخرى لقد دخل الفكر قلعة التاريخ مثلما غزا التاريخ وفكرة التغير عمومًا قلعة الفكر.

صحيح أن الكتابة الآن ستكون مصدرًا لكتابات أكثر دقة في المستقبل لأن الهدف الأساسي هو إظهار الحقيقة فالتاريخ الذي تمليه الأهواء لا يصبح تاريخًا وليس هناك شيء أكثر إفسادًا للتاريخ من التدليس فيه فينبغي أن يكون التاريخ علمًا على نمط العلوم الطبيعية بأن تؤدي دراسة الماضي إلى قوانين يمكن القول أنها هي التي تحكم ويمكن أن تؤدي إلى التنبؤ بالمستقبل عن فهم الحاضر أنه يمكن مع تراكم المعرفة التاريخية أن يكون لدينا صورة كاملة عن الماضي نظرًا لتعدد التفسيرات التاريخية المقبولة معرفيًا وينبغي بأن يكون هناك التفرقة بين التاريخ من حيث الأحداث والتاريخ من حيث الرؤية فالأحداث لا خلاف عليها بعد التأكد من أنها واقع لكن الكتابة التاريخية تخضع للثقافة لكل مؤرخ أن المؤرخ مقيدًا برؤية العصور والشعوب والأفراد الذين يكتب عنهم فهو في الأساس باحث أو مراقب خارجي لا ينتمي إلى هذه العصور لكنه جانب مهم جدًا من المعطيات التى يستند إليها في فهم عصرهم وتفسيره لأنه يستطيع بمناهجه الحديثة وبإلمامه بالظاهرة والفترة التي يتناولها بعد أن مضت واكتملت فهو يرى أو يلاحظ روابط وعلاقات ومؤثرات ونتائج لم يرها هؤلاء المعاصرون لم يكن الإسكندر يعرف أنه يدشن العصر الهيلينستى ولم يكن دافنشى يعرف أنه يسهم فيما سيسمى عصر النهضة ولم يكن مخترع الآلة البخارية يعلم أنه يدشن ما سيسمى الثورة الصناعية هذه المصطلحات كلها صنعها الباحثون في التاريخ.

آن الآوان لإعادة النظر في كتابة تاريخ مصر المعاصر لأن مازلنا ندرس لطلابنا تاريخ مصر الحديث بداية من الفتح العثماني وهذا شيء غريب للغاية فالعثمانيون ليسوا بمصريين حتى نبدأ تاريخ مصر بهم لأن الفترة بعيدة أن العثمانيين احتلوا مصر ما يقرب من خمسمائة عام والبعض يرى أن تاريخ مصر الحديث يبدأ بالحملة الفرنسية وهو أمر غير مقبول فكيف نبدأ هذا التاريخ باحتلال أجنبي لمصر ألا يجب أن نبحث عن بداية جديدة منطقية لهذا التاريخ إن ذلك كله يتطلب من المؤرخين المصريين بتحديد تاريخ واضح  المعالم نبدأ به تاريخنا الحديث أن الكتابة التاريخية لابد أن تكون فردية  أنه بالفعل لا يستطيع المؤرخ أن ينفصل عن ثقافته ومصالحه وأهوائه وفي دولة كبرى مثل مصر حيث تكون للحاكم سلطات مهمة فإن المؤرخ غالبا ينحاز إلى الحاكم وتوجهاته ويحاول في كتاباته التاريخ أن تكون عميقة ومهمة ومفهومة في اتجاهات الحاكم لكن للتغلب علي ذلك ولتحقيق الحيادية والتوازن في الكتابة التاريخية ينبغي إتاحة قدر كبير من حرية البحث وتتاح الوثائق للجميع وتتاح الفرصة للمؤرخ بنشر ما يريد فيجب إعادة كتابة تاريخنا المعاصر وإعادة قراءته لأنه رؤية المستقبل لأن أمة بلا تاريخ ليس لها حاضر أو مستقبل.

 

 

 

 


0 ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بحث




الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


© 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy